فصل: كتاب المغارسة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


كتاب المغارسة

وفيها مقدمة وبابان‏:‏

المقدمة في لفظها وهي مفاعلة وأصلها أن تكون لصدور الفعل من اثنتين نحو المضاربة والمناظرة والمدافعة، فمقتضاها أن يكون كل واحد يغرس لصاحبه وليس كذلك بل أحدهما الغارس فيتعين أن يجاب بما تقدم في المساقاة والمضاربة، فيطالع من هناك‏.‏

الأول في أركانها

وهي ثلاثة‏:‏

الأول والثاني المتعاقدان ويشترط فيهما أهلية الشركة والإجارة، فإن المغارسة مركبة منها‏.‏

الركن الثالث‏:‏ العمل‏.‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ المغارسة ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ إجارة محضة كقولك اغرس ارضي تينا ونحوه - ولك كذا، فإن كانت الغروس من عندك فلا إشكال في الجواز - سيمت عدد ما يغرس أم لا؛ لأنه معلوم عرفا، نعم لا بد أن تصف قدر الغرس في الصغر

والكبر لاختلاف المشقة فيه، إلا أن تكون عادة، وإن كانت الغروس من عنده، فيدخل فيه ما دخل في اشتراط الجص والآجر على البناء؛ لأنه إجارة وسلم فأحكامها مختلفة إذا كان الأجير بعينه، فإن أسلم لا بد فيه من ضرب الأجل وتعجيل رأس المال، والأجير المعين لا يجوز النقد له إلا بعد الشروع، فلا يستأجر المعين والغروس من عنده، ولها قيمة إلا بثلاثة شروط‏:‏ تعجيل الإجارة، والشروع في العمل، وإن يكون الغرس لا يتم إلا في مدة طويلة يستخف فيها ما بتعجل من الغرس في جنب ما يتأخر وأما إن استأجره إجارة مضمونة في ذمته على أن الغرس من عنده ولها قيمة فذلك جائز؛ لأن الإجارة المضمونة كالسلم، فإن قدم إجارته إليه وضرب للغرس أجلا كقولك استأجرتك على غرس هذه الأرض في شهر كذا والغرس من عندك أجازه ابن القاسم في المدونة إذا كان على وجه القبالة وقدم نقده‏.‏

القسم الثاني‏:‏ المغارسة على وجه الجعل كقولك اغرس أرضي تينا أو نحوه، ولك في كل ثمرة تنبت كذا فيجوز؛ لأنه جعل محض‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أن يغارسه في الأرض على جزء منها فليست إجارة منفردة ولا جعالة، بل أصل مستقل فيه الشبهان فيشبه الإجارة في اللزوم بالعقد، والجعالة لبطلان حق المغارس إذا بطل الغرس ولا يعيده مرة أخرى، وعن ابن القاسم لا يجوز إلا على الجعل وأن يكون له الترك متى شاء، فعلى هذا المغارسة قسمان فقط‏:‏ الجعل والإجارة، كان له جزء من الأرض أم لا، ومنع ‏(‏ش‏)‏ القسم الثالث؛ لأنه ليست شركة ولا قراضا ولا إجارة لعدم شروط الأقسام فلا تجوز، وقاسها مالك على المساقاة، وتمتنع على جزء من الأرض إلا أن يكون إلى حد دون الإطعام، وفي التحديد بالإطعام أو السنين دون الإطعام أو سكتا

عن التحديد قولان، ويمتنع أن يكون الشجر أو الغلة بينهما دون الأصل، قال ابن بشير في نظائره‏:‏ يشترط أمران أن تكون الأرض بينهما مع ما فيها لئلا ينتفع العامل بالأرض مدة غير محصورة، وأن يكون الانتهاء الإطعام أو دونه دون ما فوقه‏.‏

الباب الثاني في أحكامها

قال ابن يونس‏:‏ المغارسة أن يعطيه أرضه يغرسها نوعا أو أنواعا من الشجر يسميها، فإذا بلغت حدا سماه في ارتفاعها كانت الأرض والشجر بينهما على جزء معلوم، ويمتنع التحديد كما بعد الإثمار؛ لأن العامل يكون نصف الثمرة له إلى ذلك الحد، فقد آجر نفسه بثمرة لم يبد صلاحها وبنصف الأرض وما ينبت فيها، قال ابن حبيب‏:‏ إن سكتا عن ذكر الحد جاز ويكون إلى الكمال التام، وقال ابن القاسم‏:‏ هو فاسد حتى يبينا حدا، ولو سميا سنين جاز إذا كانت الأرض مأمونة النبات ولا يتم الشجر قبلها، وإن اشترطا أن كل نخلة تنبت له فيها حق، ولا شيء له فيها لا تنبت، وعلى أنه إن شاء ترك وشرطا حدا معلوما جاز، قال ابن القاسم‏:‏ إذا قلت‏:‏ استأجرتك لتغرسها كذا وكذا نخلة، فإن نبتت فهي بيني وبينك فهو جعل لا إجارة وله الترك إن شاء، وعن مالك تمتنع المغارسة إلى أجل؛ لأنها في معنى الجعل، قال مطرف‏:‏ إنما يجوز الأجل إذا قال‏:‏ اغرسها شجر كذا ولك نصفها الحد الذي سمياه على أن تقوم بنصفي كذا وكذا سنة؛ لأنها إجارة

على غرس نصف الأرض، ويأتي بما يغرس من عنده ويخدمه كذا وكذا سنة بنصف الأرض، فإن بطل الغرس بعد أن غرسه أتاه رب الأرض بغرس مثله يقوم به إلى ذلك الأجل، قال ابن يونس‏:‏ هذه المغارسة بعينها إلى أجل، ومالك ينظر إلى تصرفهما لا إلى قولهما، قال ابن القاسم‏:‏ إن غارسه على أن العمل مضمون مات أو عاش جاز، أو على عمله بعينه امتنع للغرر بتوقع موته، قال سحنون‏:‏ هذا يمنع مطلقا؛ لأنه جعل وبيع‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا أثمر النخل وبقي التافه فهو تبع والعامل على شرطه، ويسقط العمل عنه، قال ابن حبيب‏:‏ إن كان له بال أو النصف وهو مباين، سقط العمل عنه في المثمر أو مختلطا سقي الجميع وثمر ما أثمر بينهما، قال صاحب المقدمات‏:‏ إن نبت يسير وبلغ الحد وبطل الباقي أو بطل منه يسير وبطل الحد وبطل سائر ذلك، فقيل‏:‏ القليل أبدا تبع للكثير إلا أن يكون له قدر، قاله‏:‏ ابن عاصم وهو الذي يأتي على المشهور ويثبت حقه في الثابت ويبطل مما بطل، وقيل‏:‏ حقه فيما نبت وما بلغ، ويبطل فيما لم يبلغ يسيرا كان أو كثيرا تبعا أو غير تبع، وهو يأتي على القول بأن المغارسة في الأرض على جزء منها تمتنع إلا على وجه الجعل، والقول الأول على أنها جائزة لازمة لهما‏.‏

فرع‏:‏ في المقدمات حيث قلنا بفسادها، فإن لم يجعل له جزءا من الأصل بل الثمرة بينهما أو الشجر دون موضعها، فهل يجعل كالكراء الفاسد أو الأجرة الفاسدة قولان مبنيان على أن المغروس على ملك الغارس فيكون كراء فاسدا، أو ملك رب الأرض فتكون إجارة فاسدة، والأول لابن القاسم، فإن جعل له جزءا من الأرض مع الفساد كالمغارسة إلى أجل بعد الإطعام، فثلاثة أقوال‏:‏ إجارة فاسدة على رب الأرض قيمة غرسه يوم وضعه في أرضه، وأجرة مثله في العمل وجميع الغلة له قاله‏:‏ سحنون بناء على أن الغرس على ملك رب الأرض، كأنه استأجره على غرسها بنصفها، وقيل‏:‏ بيع فاسد في نصف الأرض وقد فات بالغرس فعلى الغارس قيمته يوم غرسه، وكراء المثل في النصف الآخر الفاسد يوم أخذها، أو يوم الغرس فيها أو يوم الفوت على الخلاف في ذلك، ويقلع الغارس غرسه، إلا أن تأخذه بقيمته مقلوعا، وروى يحيى لك أخذه بقيمته - قائما لوجود الإذن في الموضع - وجميع الغلة للغارس، وهو على أن الغرس على ملك الغارس، وقيل‏:‏ بيع فاسد في نصف الأرض فات بالغرس على الغارس قيمته يوم غرسه، وإجارة فاسدة في النصف الآخر عليك فيه قيمته مقلوعا يوم وضعه، وأجرة مثله في عمله إلى وقت الحكم، وقيل‏:‏ يكون عليك نصف قيمة الغرس قائماً يوم الحكم فيه؛ لأجل سقيه وعلاجه، قاله‏:‏ ابن القاسم، وقيل‏:‏ عليك للغارس نصف غرسه يوم بلغ، وأجرته من يومئذ إلى يوم الحكم قاله‏:‏ ابن حبيب والغلة بينهما في جميع ذلك على شرطها، والصحيح الأول عليك القيمة فيه مقلوعا وأجرة العمل إلى يوم الحكم‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب النوادر‏:‏ ولا تكون المغارسة فيما يزرع سنة بل في الأصول الثابتة، وتمتنع إلى أجل؛ لأنها في معنى الجعل بل للإثمار أو قبله‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا بطلت الشجرة بعد تمامها في المغارسة الفاسدة قبل أن ينظر بينهما، قال عبد الملك ومطرف‏:‏ لا شيء له من قيمة ما عمل ولا رد ما أنفق؛ لأنه لم يخرج من يده شيء ليعوض عنه، وإنما انفق ليأخذه من الثمرة وقد ذهبت وتمضي الغلة لمن اغتلها قبل ذهاب الشجر اغلالها جميعا، أو الغارس ولا ينظر بينهما في شيء إذا ذهب الغرس الذي تعاملا عليه وفات موضع تصحيحه بالقيمة، وقال أصبغ‏:‏ يعطى قيمة عمله يوم تم كشرائه بثمن فاسد فتفوت، والغلة كلها لرب الأرض، قال‏:‏ والأول أحب إلي، وإنما يصح قول أصبغ إذا أعطاه نصف الأرض عوضا عن غرسه النصف الآخر، قال ابن القاسم‏:‏ إذا فسدت بعدم ذكر حد تنتهي إليه أو حد معلوم - إلى حد الإثمار دونه وفات؛ فالغرس بينهما نصفان ويلزم العامل نصف الأرض بقيمتها يوم قبضها براحا؛ لأنه اشتراها شراء فاسدا فأفاتها بالغرس، فإن اغتلها زمانا طويلا فما اغتل في نصفه الذي الزمناه قيمته، لا كراء عليه فيه، والنصف الآخر كأنك أكريته بثمرة لم يبد صلاحها وترد أنت الثمرة التي قبضت إلى العامل وتأخذ منه كراء حاليا يوم اغتلها وهو خلاف قول ابن حبيب قال سحنون‏:‏ بل غلة جميع الأرض لربها يردها العامل وله

قيمة غرسه وأجرة عمله، ولو جعلت له الثمرة كان بيعها قبل بدو صلاحها، قال ابن القاسم‏:‏ لو أخذها بحد معلوم على أن يعمل لك في نصفك سنين معلومة بعد القسم عملا مضمونا عاش أو مات وهو عمل معروف جاز، وإن كان عمله بيده امتنع للخطر، قال سحنون‏:‏ هو خطأ؛ لأنه جعل وبيع، والذي أنكره أجازه ابن حبيب، قال ابن القاسم‏:‏ فإن وقع على ما ذكرنا من الفساد واغتل الشجر زمانا وبطل الغرس، لم يبطل ما لزمه من نصف قيمة الأرض يوم القبض وله غلة جميع الشجرة وعليه قيمة كراء نصف الأرض من يوم اغتلها وله عليك قيمة عمله في نصفك إلى أن يبلغ الحد المشترط فلا أجرة له كالجعل، وقال سحنون‏:‏ الغلة كلها لك ويرد ما أخذ منها وله أجرة مثله‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ أعرت أرضك عشر سنين للغرس ويسلم إليك بعد المدة بغرسها ويغتلها هو في المدة، يمتنع للجهل بحال المال، وجوزه أشهب كالبنيان إذا سمي مقدار الشجر‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إذا اشترط مع غرس الشجر بناء جدار حوله أو حفر سياج وكان يخاف ألا يتم الغرس إلا بذلك؛ لكثرة المواشي ويكون جميع ذلك بينهما جاز، أو لا يخاف ذلك ومئونة المشترط يسيرة جاز أيضا، وإلا امتنع‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إذا غرس النصف قبل عجز قبل التمام، أو غاب فأقمت من

عمل ما بقي أو عملته بنفسك ثم قدم فهو على حقه، وكذلك الحاضر إذا لم يظن أنه ترك وسلم ورضي بالخروج ويعطي المكمل قدر ما كفاه مما لو وليه هو لزمه مثله‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا ادعيت أن المغارسة وقعت على أن الثمرة فقط أو الشجرة بينكما، وادعى نصف الأرض بغرسها وللبلد عادة صدق مدعيها صحيحة أم لا وإلا صدق مدعي الصحة؛ لأنها أصل معاملة الاسلام، وعنه إذا كانت عادة البلد بعمل الأمرين، يتحالفان ويتفاسخان‏.‏

فرع‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا غارسه على أن الثمرة خاصة بينهما أبدا وفاتت، فللعامل أجرة مثله فيما عمل وعالج حتى بلغت الإطعام، ثم هو فيما أكلا بعد ذلك من الثمرة على مساقاة مثله، وإن كانت مساقاة مثله النصف، لم يرجع أحدكما على الآخر بشيء أو على الثلث رجعت عليه بسدس الثمرة، أو على الثلثين رجع عليك بالسدس يوم فسخ العمل بينكما، ولو كانت على أن الثمرة بينهما سنين معلومة فكما تقدم‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ يجوز أن يعمل لك رحى بصفة معلومة بجميع أدواتها، فإذا تمت فله نصفها أو غير ذلك من الأجزاء بجزء ذلك الأرض؛ لأنه جعل والكلف في المستقبل عليكما؛ لأنكما شريكان، وتنعقد الشركة والاستحقاق بعد

التمام، فإن شرطت أن عليه إصلاحها ما بقي، امتنع للغرر، فإن فات بالبناء فعليه نصف قيمة الأرض بغير شرط، وله عليك نصف قيمة ما بني وأصلح ويبطل الشرط وتصير الرحى بينكما وعليكما إصلاحها، فإن لم يعثر على ذلك حتى طحنا زمانا فهي بينهما من يوم طحنت، وإن ولي هو الطحين فيها للناس فله الغلة وعليه كراء نصفها وتاتنفان في أمرها ما احببتما، فلو كانت المرمة من عندك، فهو سواء، وإن كنت العامل فيها فلك الغلة وعليك كراء نصفها له، وقال غيره‏:‏ إذا لم يصف البناء وفات بالبناء أو بما في فسخه ضرر يكون بينكما ولك قيمة نصف أرضك وعليك له نصف قيمة ما عمل وبنى، وتبقى بينكما على ما هي عليه يومئذ فرغت أم لا؛ لأنها مجاعلة فاسدة ولو شرطتما أن الغلة بينكما دون الرحى وفات لا يكون له في الرحى ولا في البناء ولا في الأرض شيء؛ لأنه لم تقع المبايعة في شيء من الأصل، وإنما اشترى منه ماءه وما يدخل من الكسب، فالرحى بما فيها لك وعليك قيمة البناء وما وضع فيها بقيمته يوم تم‏.‏

كتاب إحياء الموات‏.‏

قال الجوهري‏:‏ الموات بضم الميم الموت، وبفتحها ما لا روح فيه، وأيضا هو الأرض التي لا مالك لها ولا منتفع بها، والموتان بفتح الميم والواو‏:‏ الأرض التي لم تحي، وهو أيضا ضد الحيوان، يقال‏:‏ اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان، أي اشتر العقار دون الرقيق، ويتمهد فقه الكتاب بالنظر في الإحياء وموانعه وغيرها، ثم ما يقع من التزاحم في الحيطان والسقوف ومنافع البقاع من المساجد والطرق والأعيان المستفادة من الأرض كالمعادن والمياه وغيرها، ثم فيما يقع‏:‏

النظر الأول‏:‏ في الإحياء

وفيه ثلاث أبحاث‏:‏

البحث الأول‏:‏ في صفة الإحياء، الذي هو سبب الملك‏:‏

وفي الكتاب يجوز الإحياء بغير إذن الإمام وإحياؤها شق العين، وحفر البئر، وغرس الشجر، والبناء، والحرث‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن حفر بئرا في أرض ذات بياض، وقطع من الغيضة ما يسقي ذلك البئر فهو أحق بما يسقي ذلك البئر، وكذلك إذا لم تكن فيها شعراء، وإن حفر البئر لماشيته ليسكن ذلك الموضع فهو

أحق بما يحتاجه ليسكن، وإن كان ليرعى غنمه ويذهب عنه، لم يكن إحياء وهو أحق بما ترعى غنمه، ومحمل قوله في المدونة إذا لم يكن الحفر لأجل الكلأ؛ لأنه ليس ذلك مما يقصد للتمليك، والرعي بانفراده ليس إحياء، وقال أشهب‏:‏ إذا نزل قوم ورعوا ما حولهم فهم أحق من غيرهم؛ لأن للسبق حقا، لقوله عليه السلام من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به‏.‏ وفي الجواهر الإحياء‏:‏ ما تقتضي العادة أنه إحياء لمثل تلك الأرض؛ لأنه عليه السلام أطلق الإحياء فيتقيد بالعادة - وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال إذا لم يسقف الدار ولا قسم البيوت وقد أحيا للسكنى فليس بإحياء، وإن حفر البئر ولم يطوها فليس بإحياء‏.‏ قال صاحب التنبيهات والإحياء‏:‏ يقع بعشرة أشياء، سبعة متفق عليها‏:‏ تفجير الماء بالحفر وبالشق، والبناء، والغرس، والحرث، والحرق، السابع تكسير الحجارة، وثلاثة مختلف فيها‏:‏ التحجير، ورعي الكلأ، وحفر بئر ماشية، فهي ليست إحياء عند ابن القاسم خلافا لأشهب‏.‏

فرع‏:‏ قال بعض العلماء‏:‏ إذا أحيا بأجر مغصوب لا يملك؛ لأن الشرع ملكه لينتفع بإحيائه، وهذا يحرم عليه الانتفاع، بخلاف الاصطياد بقوس الغير أو

سيفه، والفرس يجاهد عليه له السهام، ففي هذه يملك الغاصب المنفعة؛ لأن ما ينتفع به غير العين المغصوبة، ولو نزعت العين المغصوبة بقيت الثمرة للغاصب، وهي الصيد والسهام، ولو نزع المغصوب هاهنا لم يبق له شيء‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في موانعه وهي خمسة‏:‏

المانع الأول‏:‏ العمارة، وفي الجواهر لا يملك بالإحياء معمور وإن اندرست العمارة، إلا أن تكون عمارة إحياء، وقال سحنون‏:‏ هي كعمارة غير الإحياء لا تملك بالاندراس؛ لقوله عليه السلام في الموطأ من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق‏.‏ قال مالك‏:‏ والعرق الظالم كل ما احتفر أو أخذ أو غرس بغير حق، وقد تقدم أن الموات لغة ما لم يتقدم عليه ملك ولا ينتفع به، ومنطوق الحديث يقتضي ترتب الملك على الإحياء في الميت، ومفهومه يقتضي عدم ترتبه في غيره وهو المطلوب، وقياسا للإحياء على البيع والهبة وسائر أسباب التملك، وقياسا على تملك لقطة ثم ضاعت منه، فإن عودها على حال الالتقاط لا يبطل ملك المتملك، ووافق ‏(‏ش‏)‏ سحنون، وقال لا يسقط الملك بعد الإحياء بعوده مواتا، إلا إن جهل المحيي بالكلية كخراب عاد وثمود، والجواب عن الأول أن الحديث معناه يقتضي ترتب الملك على الإحياء، وهذا الثاني قد أحيا فيكون الملك له، وعن الثاني الفرق بأن الإحياء سبب فعلي تملك به المباحات من الأرض، وأسباب تملك المباح الفعلية تبطل ببطلان ذلك الفعل، كالصيد إذا توحش بعد اصطياده، والسمك إذا انفلت في النهر، وماؤه إذا حيز

ثم اختلط بالنهر، والطير البري، والنحل إذا توحش وذهب وطال زمانه، وأسباب الملك القولية لا يبطل الملك ببطلانها؛ لأنها إنما ترد على مملوك غالبا، فلها أصل الملك قبلها قوى إفادتها للملك، وأما الإقطاع وإن كان سببا قوليا فهو حكم من الإمام، وأحكام الأئمة تصان عن النقض، وعن الثالث أن تملك الملتقط ورد على ما تقدم فيه الملك وتقرر، فكان تأثير السبب فيه أقوى مما لم يرد فيه السبب على ملك، وتحرير ذلك أن السبب إذا رفع ملك الغير كالبيع، وتملك اللقطة كان في غاية القوة، وأما الفعل بمجرده ليس له قوة رفع الملك المعتبر، بل يبطل ذلك الفعل، كمن بنى في ملك غيره، فلذلك ذهب أثره بذهابه، وهذا فقه حسن على القواعد فليتأمل، ومذهب ‏(‏ش‏)‏ في بادئ الرأي أقوى وأظهر، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إن أحيا الثاني بحدثان خراب فهي للأول، ويعطى قيمة عمارته قائما إن عمرها بجهل، ومنقوضا إن عمر عالما بالأول، وإن عمر بعد الطول الذي يعد كالإعراض فليس له منعه‏.‏ قال صاحب البيان فيمن أحياه بعد غيره ثلاثة أقوال‏:‏ الأول أحق، والثاني أحق، الفرق بين أن يكون الأول أحيا، فالثاني أحق، أو اختط أو اشترى فالأول أحق، وفي الصيد إذا صيد بعد انفلاته أقوال، ثالثها الفرق بين أن يكون الأول صاده فالثاني أحق، أو ابتاعه فالأول أحق‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر قال مالك في خراب عن الإسكندرية بنحو الميلين لا يعرف له

أهل صار أكواما لا يحييه أحد، قال ابن القاسم‏:‏ ولا بقطيعة من السلطان لتقدم الملك عليها، فإنه ملك لا يخشى هلاكه بخلاف اللقطة‏.‏ وقال سحنون‏:‏ إذا صارت الأملاك العامرة شعارى وطال زمانها نظر فيها السلطان، وقال ‏(‏ح‏)‏ إذا انجلى عنه أهله وبادوا ملك بالإحياء، وللشافعية قولان قياسا على اللقطة إذا لم يعرف ربها وقد تقدم الفرق‏.‏

المانع الثاني‏:‏ حريم العمارة فيختص به صاحب العمارة وقاله الأئمة؛ لقوله عليه السلام‏:‏ لا ضرر ولا ضرار‏.‏ وفي الكتاب ليس لبئر الماشية ولا للزرع ولا للعيون حريم محدود إلا ما أضر وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏‏.‏ فبئر في أرض رخوة وبئر في أرض صلبة أو في صفاء، ولأهل البئر منع من يبني أو يحفر في ذلك الحريم نفيا للضرر عنهم، ولو لم يضر بهم الحفر لصلابة الأرض لمنع لتعذر مناخ الإبل ومرابض المواشي عند الورود، قال ابن يونس‏:‏ قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -‏:‏ لبئر العادية من الحريم خمسون ذراعا، وبئر البادية خمسة وعشرون، وبئر الزرع ثلاثمائة ذراع، وللعيون خمسمائة‏.‏ قال أشهب‏:‏ هذه حكومة تبتدئ كحكومة الصيد بقدر الضرر، قال اللخمي‏:‏ للأول منع ما ينقص الماء ويمنع المرعى، وحفر الثاني على ثلاثة أوجه‏:‏ إن كانت الأرضان غير مملوكة والماء الأول للماشية، أو الأولى مملوكة منع الثاني من الحفر حيث أضر بالأول، وإن كانتا مملوكتين وعلم الأول فهو أحق - وإن كان حفره أخيرا؛ لأن من ملك ظاهر

الأرض ملك باطنها وليس تأخر حفره لاستغنائه يقطع حقه إلا أن يغرس الثاني فيتركه عالما بمضرته عند الحاجة، فليس له الحفر لإسقاط حقه، وقد اختلف في هذا الأصل، واختلف إذا جهل السابق‏:‏ فعن مالك للحافر الأول المنع؛ لأن الماء في يده ويحتمل أن يكون خط أولا أو أباه أو بائعه، فلا ينزع بالشك، وعنه لا يمنع إذا لم تكن للثاني مندوحة عن الحفر هناك لعدم تعين الحوز، وإلا منع لإمكان الجمع بين المصلحتين، قال‏:‏ وأرى إن كان الماء إنما يأتي من أرض الأول قدم، أو من أرض الثاني لم يمنع؛ لأنه ماؤه، وكان يصل الأول لاستغنائه عنه، فله أخذه عند الحاجة، ولو أحدث بئرا للنجاسات فأضر بئر جاره ردفتا عليه اتفاقا؛ لأن بلوغ النجاسة كبلوغ الدخان وغيره، ويترك لبئر الزرع ما يظن أن بئر الأول يسقيه، فإن كان يعجز عنه ترك له ما لا يعجز عنه، وإن كان الأول قطع تلك الغياض ترك، وإن كان فوق ما يسقيه تلك العين صونا لتعبه عن الضياع، فإن كان الماء كثيرا لا يقدر على عمارة ما يسقيه بذلك الماء‏.‏ ترك غير المعجوز عنه، هذا كله أصل ابن القاسم في نفي الضرر من غير تحديد نظرا للمعنى، وقال أبو مصعب‏:‏ حريم العادية خمسة وعشرون ذراعا، والبئر التي بيد صاحبها خمسون، وبئر الزرع خمسمائة، وقال ابن نافع‏:‏ حريم البئر العادية خمسون ذراعا، والتي ابتدئ عملها خمسة وعشرون، وإن قطع غياضا لا يستطيع حرثه ولا عمارته ترك له؛ لأنه ملكه بالإحياء وله بيعه، وحريم الشجر ما فيه مصلحتها ونفي ضررها، وقد قيل‏:‏ اثنا عشر ذراعا من نواحيها، وإن كانت الشجرة الآخرة مثل الأولى ترك بينهما نحو العشرين ذراعا لتبعد العروق فلا

يزدحمان في السقي، فإن خولف ذلك وأشركت العروق أو الفروع قطع ما وصل للأول في بطن الأرض وظاهرها، ولو بيعت نخلة واشترط حقوقها وفناءها ترك عشرة أذرع من جميع نواحيها، وإذا أحييت للسكنى وأراد الثاني الإحياء للسكنى فلك إبعاده عنك لئلا يكشفك، وقد قضى عمر - رضي الله عنه - في ذلك بمائة ذراع حيث لا تبين امرأته ولا يسمع كلامه، قال‏:‏ وأرى أن يبعد أكثر من المائة ولا يضيق على النساء في تصرفهن‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر حريم الدار المحفوفة بالموات مرافقها العادية كطرح التراب ومصب الميزاب وموضع الاستطراق منها وإليها‏.‏

المانع الثالث‏:‏ الإقطاع، وفي الجواهر‏:‏ إذا قطع الإمام أرضا لأحد كانت ملكا له وإن لم يعمرها ولا عمل فيها شيئا يبيع ويهب ويورث عنه؛ لأنه تمليك مجرد قاله‏:‏ ابن القاسم سواء في الفيافي أو القرية ولا يطالبه الإمام بعمارتها، بخلاف الإحياء وقاله ‏(‏ش‏)‏ قال اللخمي‏:‏ إن أقطعه أرضا على عمارتها، فله الهبة والبيع والصدقة ما لم ينظر في عجزه فيقطعها لغيره، وظاهر المذهب أن الإقطاع لا يشترط العمارة يوجب تركها له وإن عجز عن عمارتها؛ لأنه عليه السلام

أقطع بلال بن الحارث من العقيق ما يصلح للعمل فلم يعمله، فقال له عمر _رضي الله عنه_‏:‏ إن قويت على عمله فاعمله وإلا أقطعته للناس، فقال له‏:‏ أنه عليه السلام قد أقطعني إياه، فقال له عمر - رضي الله عنه - أنه عليه السلام قد اشترط عليك فيه شرطا، فأقطعه عمر - رضي الله عنه - للناس ولم يكن بلال عمل شيئا، قال صاحب البيان‏:‏ إذا أقطع أرضا فأعرض عنها فبناها

عيره فهي للثاني، وليس للعمال إقطاع إلا بإذن الإمام؛ لأنه كالإعطاء من بيت المال، وإن أقطعه مواتا طالبه بالإحياء، فإن لم يفعل أو عجز عنه أقطعه غيره؛ إذ ليس له أن يحجر الأرض عن نفعه ونفع غيره، وهذا خلاف النقل المتقدم، قال‏:‏ فإن تصدق بها بعد عجزه قبل نظر الإمام نفذت الصدقة؛ لأن المقصود ألا تتعطل الأرض من النفع، والمبتاع والموهوب له يحل البائع والواهب، قال مالك‏:‏ لا يقطع الإمام من معمور الأرض العنوة؛ لأنها وقف للمسلمين، قال ابن القاسم‏:‏ إنما الإقطاع في أرض الموات وبين الخطط كأبنية الفسطاط، قال‏:‏ وقال اللخمي‏:‏ إقطاعها جائز ولا يصح ذلك على مذهب مالك، قال صاحب النوادر‏:‏ قال سحنون‏:‏ لا يكون الإقطاع في أراضي مصر ولا العراق؛ لأن عمر -رضي الله عنه - وقفها للمسلمين، وأراضي الصلح لأهلها الذين أسلموا على أرضهم من غير غلة ولا صلح يبقون فيها على حالة إسلامهم عليها بما هو معمور محدود فملك لربه وأما جبالهم وأوديتهم ومراعيهم فتتقسم على المواريث ولا تملك حقيقة الملك، وأما أراضي العرب فما لم يعرف بحي من أحيائهم فلمن أحياه، وما عرف بأحيائهم من بطون أوديتهم ومراعيهم وحازوها بالسكنى من غير زرع ولا غرس بل هي مراعي وعفاء، فهي لا تملك ملك المواريث بل ملك الانتفاع، وفيها كانت الأئمة تحمي وتقطع، وما لم يحز بعمارة من أرض الصلح، فهو لمن أحياه، وكذلك أرض العنوة، وأصل الإقطاعات ما تقدم، وأقطع الزبير مسيرة عدو فرسه وأقطع الخلفاء بعده أبو بكر وعمر وعثمان‏.‏

المانع الرابع‏:‏ التحجير، وفي الجواهر فيه خلاف‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ لا يحجر ما يضعف عنه، فإن رأى الإمام لمن حجر قوة على العمارة للذي حجر إلى عامين أو

ثلاثة خلاه، وإلا قطعه لغيره، واستحسنه أشهب؛ لأنه مروي عن عمر - رضي الله عنه -، وعن أشهب‏:‏ لا يكون أولى لأجل التحجير إلا أن يعلم أنه حجره ليعمله إلى أيام يسيرة لا ليقطعه عن الناس ويعمله يوما ما إلا أن يكون قصده العمارة بعد زوال مانع من يبس الأرض، أوله عمل على الأجر ونحو ذلك من الأعذار فهو أحق، فإن حجر ما لا يقوى على عمله، سوغ للناس ما لم يعمل إذا لم يقو على الباقي، قال ابن القاسم‏:‏ لا يعرف مالك التحجير إحياء ولا ما قيل من حجر أرضا ترك ثلاث سنين، فإن أحياها وإلا فهي لمن أحياها، وقال ‏(‏ش‏)‏ التحجير بالحائط والشراب ونحوهما يدل على أنه يريد الإحياء يصيره أحق به من غيره، فإن تمم الإحياء وإلا فلا شيء له؛ لقوله عليه السلام من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به وجوابه أن الأشياء المباحة لا تملك إلا بالأسباب المملكة لها وما دون ذلك من العلامات الدالة على إرادة تحصيل السبب لا يمنع الغير من تحصيله، كنصب الشباك للأسماك والطير ونحوهما لا يصير صاحبها أولى، والحديث محمول على من سبق بسبب شرعي، وإلا انتقض بما ذكرناه‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا حجر وشرع غيره في الإحياء فقام المحجر فهما شريكان‏.‏

المانع الخامس‏:‏ الحمى، وفي الجواهر روى ابن وهب أنه عليه السلام حمى النقيع لخيل المهاجرين وهو قدر ميل في ثمانية، ثم زاد الولاة فيه بعد ذلك وحمى أبو بكر - رضي الله عنه - الربوة لما يحمل عليه في سبيل الله خمسة أميال في مثلها، وحمى ذلك عمر رضي الله عنهم أجمعين لإبل الصدقة يحمل عليها في سبيل الله تعالى، وحمى أيضا الشرف وهو حمى الربذة‏.‏ وللإمام أن

يحمي إذا احتاج للحمى، قال سحنون‏:‏ ولا حمية إنما تكون في بلاد الأعراب العفاء التي لا عمارة فيها في أطرافها حيث لا تضيق على ساكن، وكذلك الأودية العفاء، وكذلك تكون القطائع أيضا، وكذلك موات أرض الصلح والعنوة إذا لم تحز ولا جرى فيه ملك‏.‏

فائدة‏:‏ قال الخطابي النقيع بالنون، وصحفه كثير من المحدثين بالباء وإنما هو بالنون، والذي بالباء بالمدينة‏:‏ موضع القبور، ومعناه بالنون بطن من الأرض ينتفع فيه الماء، فإذا نضب أنبت الكلأ، ومنه حديث أبي داود‏:‏ جمع أسعد الجمعة في نقيع يقال له‏:‏ نقيع الخضمات‏.‏

البحث الثالث‏:‏ في أحكام الإحياء،

في الكتاب في معنى قوله عليه السلام من أحيا أرضا ميتة فهي له إنما ذلك في الصحاري، وأما ما قرب من المعمورة ويتشاح الناس فيه لا يحيا إلا بقطيعة من الإمام، نفيا للتشاجر بتزاحم الدواخل عليه كما فعله عليه السلام في المعادن‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ يحيا بغير إذن الإمام لعموم الحديث، وقال عبد الملك‏:‏ لا يحيي أحد إلا بإذن الإمام مطلقا، غير أن من أحيا في البعيد عن العمارة الذي لا تعلق للعمارة به فهو له، أو في القريب نظر فيه الإمام إما أبقاه أو أقطعه غيره أو يبقيه للمسلمين ويعطيه قيمة ما عمر منقوضا، وقاله‏:‏ ابن القاسم

ومالك، وقال أصبغ‏:‏ لا يحيي القريب إلا بإذن الإمام، فإن فعل أمضيته، قال سحنون‏:‏ وحد القريب ما تلحقه المواشي والاحتطاب، بخلاف اليوم ونحوه فيصير فيها ثلاثة أقوال‏:‏ القريب والبعيد بغير إذن الإمام لا يحييهما إلا بإذنه، التفرقة، وبالأول قال ‏(‏ش‏)‏، وبالثاني قال ‏(‏ح‏)‏، المسألة مبنية على قاعدة وهو أنه عليه السلام له أن يتصرف بطريق الإمامة؛ لأنه الإمام الأعظم، وبطريق القضاء؛ لأنه القاضي الأحكم، وبطريق الفتيا؛ لأنه المفتي الأعلم ويتفق العلماء في بعض التصرفات وإضافته إلى أحد هذه العبارات، ويختلفون في بعضها كقوله عليه السلام لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان لما شكته له بالبخل‏:‏ خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف‏.‏ قال مالك و‏(‏ش‏)‏ وجماعة‏:‏ هذا تصرف بالفتيا؛ لأنه الغالب على تصرفه التبليغ، فمن ظفر بحقه من خصمه العاجز عنه أخذه من غير علمه، ويؤكد أنه لم يلزمها بإثبات دعواها ولا بإحضار خصمها، ولو كان تصرف بالإمامة، أو بالقضاء لتعين ذلك، وقال قوم‏:‏ هذا تصرف بالقضاء فلا يأخذ أحد من مال خصمه شيئا إلا بإذن القاضي؛ لأنه عليه السلام إنما تصرف في تلك الواقعة بالقضاء، وكقوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه‏.‏ قال ‏(‏ش‏)‏ هذا تصرف بالفتيا؛ لأنه غالب تصرفه، وقال مالك‏:‏ هذا تصرف بالإمامة، فلا يستحق أحد سلبا إلا بإذن الإمام، وخالف أصله السابق لما تقدم تقريره في الجهاد، وكذلك اختلف هاهنا هل هو تصرف بالفتيا، فلا يحتاج الإحياء إلى إذن الإمام، أو بالإمامة فيحتاج، والقائلون بأنه بالفتيا منهم من راعى قواعد مصلحته يفرق بين ما فيه ضرر وما لا ضرر فيه، ومنهم من لم يراع ذلك فهذا الباب فقه هذه المسألة، ثم تأكد

مذهب ‏(‏ش‏)‏ بالقياس على البيع، وسائر أسباب الملك لا يفتقر إلى إذن الإمام‏.‏ وتأكد مذهب الحنفي بالقياس على الأخذ من مال بيت المال، وبالقياس على الغنائم، ولأنه محمل اجتهاد فافتقر للإمام كاللعان وضرب الآجال، ولظاهر قوله عليه السلام ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه‏.‏ والجواب عن الأول أنه مملوك قبل الأخذ، فافتقر إلى إذن، وعن الثاني أنه يفتقر إلى إخراج الخمس وتقرير حقوق الغانمين من فارس وراجل، بخلاف الإحياء، وعن الثالث لا نسلم أنه محل اجتهاد بل محمول على العادة، وعن الرابع أنه عليه السلام إمام الأمة وقد طابت نفسه بالملك لتصريحه بذلك‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ إذا عمر بقرب العمارة أرى أن ينظر فيه هل يضر بالناس في ضيق المرعى والسكن، أو هو شرير يخشى من شره هناك، أو هو مستغن عنه وغيره محتاج إليه فيمنع، أو هو بعيد لا يضيق، والإحياء للزرع دون البناء ترك، قال‏:‏ ولو قيل‏:‏ إذا أخرج أعطي قيمة بنائه قائما لكان وجها؛ لأنه بنى بشبهة فقد أمضاه أشهب، قال سحنون‏:‏ سواء كانت أرض صلح أو عنوة أو أسلم أهلها عليها ينظر في القريب والبعيد؛ لأن العفاء البعيد خارج عما ينعقد عليه الصلح والإسلام لعدم النفع به حينئذ‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ أجاز ابن القاسم إحياء الذمي وقاله ‏(‏ح‏)‏، لعموم الحديث إلا في جزيرة العرب؛ لقوله عليه السلام‏:‏ لا يبقين دينان في جزيرة العرب‏.‏ قال

مالك وجزيرة العرب‏:‏ الحجاز ومكة والمدينة واليمن، قال عبد الملك‏:‏ فإن فعل أعطي قيمة عمارته وأخرج وما عمره في قرب العمارة أخرج وأعطي قيمته منقوضا، إذ ليس للإمام أن يقطعه إياه‏.‏ وقال ابن القصار‏:‏ ولا يجوز للإمام أن يأذن له في الإحياء مطلقا – وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏؛ لأن الموات من حقوق الدار وهي دار إسلام، وقسنا على الصيد والبيع ونحوها، ففرقوا بأن الصيد يخلف فلا يضر بالمسلمين، والأرض لا تخلف، والبيع يقع برضى البائع، ولم يرض الناس هاهنا، قال صاحب النكت‏:‏ إذا عمر فيما قرب من العمارة قال عبد الملك‏:‏ ينظر فيه الإمام‏:‏ فإن أقره وإلا أعطاه قيمته –مقلوعا، وقال أصبغ‏:‏ لا يفعل فيما قرب إلا بإذن الإمام، فإن فعل أمضيته، وقال عبد الملك‏:‏ المالك يمنع فيما قرب، وإذا أذن له الإمام أعطي قيمته ونزع منه؛ لأن ما قرب كالفيء ولا حق لذمي فيه‏.‏

النظر الثاني‏:‏ فيما يستفاد من الأرض من المعادن والمياه وغيرها ودفع الضرر

وفي الجواهر المعادن التي فيها الزكاة هي لمن ظهرت في ملكه عند مالك؛ لأنه من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها، وللإمام يرى فيها رأيه يعطيها لمن شاء عند ابن القاسم لأجل الزكاة، وما ظهر فيما هو لجماعة المسلمين كالبراري من أرض العرب والعنوة أقطعه الإمام مدة محدودة أو غير محدودة ولا يملك رقبتها، كما يقطع أرض العنوة وما ظهر منها في أرض الصلح أقطعها الإمام؛ لأن الصلح إنما يتناول المعلوم، قاله‏:‏ ابن حبيب ومن لقيه من أصحاب مالك، وهي هنا لأهل الصلح عند ابن القاسم بناء على أنه تناولها الصلح، إذ لا يشترط معرفة كل ما يصالح عليه على التفصيل اتفاقا، وما لا زكاة فيه كالنحاس أقطعه الإمام عند ابن القاسم؛ لأنه مال لم يتعين مالكه، وقال سحنون‏:‏ لا يليها الإمام كالعنبر وجملة ما يخرج من البحر، ولعدم الزكاة فيها، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ المعادن الظاهرة كالملح والقار لا يقطعها الإمام؛ لأنها كالماء، والباطنة يقطعها‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا أقطعت المعدن فتركته وغبت عنه أو طال عملك فيه وانتفاعك به فللإمام أن يقطعه غيرك، إلا أن يقطعك حياتك أو مدة معلومة فلا حتى يموت أو تنقضي المدة؛ لأنك ملكك ذلك لحكمه لك به، ولا يقطعه في السفر القريب؛ لأنه في معنى الإقامة‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر المياه ثلاثة أقسام‏:‏ خاص محرز في الأواني والآبار المحتفرة في الأملاك فهي كسائر الأملاك، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وعام منفك عن الاختصاص وهو ضربان‏:‏

الضرب الأول‏:‏ ما طريقه مباحة كالجاري من الجبل وبطون الأودية فيسقى به الأعلى فالأعلى، قال عبد الملك‏:‏ يرسل الأعلى جميع الماء في حائطه حتى يبلغ كعب من يقوم فيه فيغلق مدخل الماء، وقاله ‏(‏ش‏)‏، لما في الموطأ قال عليه السلام في سبيل مهزور ومذينب‏:‏ يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل وهما اسما واديين بالمدينة، ولما روي أن الزبير ورجلا تنازعا في شراج بكسر الشين المنقوطة والراء المهملة وأحدهما شرج بالإسكان وهو مجرى الماء من الجدار إلى السهل، وأصله مجتمع الشيء، ومنه سمي الدبر شرجا والمجرة شرج السماء، والحرة أرض مليئة الحجارة سودها، فقال الأنصاري للزبير‏:‏ سرح بالسين المهملة الماء أي أرسله، فأبى الزبير فاختصما إليه عليه السلام فقال عليه السلام للزبير اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصاري‏:‏ إن كان ابن عمتك فتلون

وجهه عليه السلام

فقال‏:‏ يا زبير، اسق أرضك وامسك الماء حتى يبلغ الجدر بفتح الجيم وتسكين الدال المهملة‏.‏

فوائد‏:‏ أمر عليه السلام قريبه بالمسامحة، فلما لم يقع لها موقع عند خصمه أمر قريبه باستيفاء حقه لئلا يضيع غبنا‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الجدر والجدار الحائط، وجمع الجدار جدر والجدر جدران كبطن وبطنان، والجذر بالذال المعجمة الأصل بفتح الجيم وكسرها، وإذا وصل الماء الجذر فقد وصل الكعبين، وقال ابن كنانة‏:‏ بلغنا أنه إذا سقي بالسيل الزرع امسك حتى يبلغ النعل، وفي النخل والشجر حتى يبلغ الكعبين، وإمساكه في الجميع إلى الكعبين أحب إلينا؛ لأنه أبلغ في الري‏.‏ وقال ابن وهب‏:‏ يمسك الأول بقدر حائطه من الكعبين إلى الأسفل ثم يرسل، وعن مالك إذا وصل إلى الكعبين وروى، أرسله كله لحصول المقصود، وقال سحنون‏:‏ فإن اختلفا بالانخفاض والارتفاع أمر صاحبه بتسويته، فإن تعذر سقي كل مكان على حدته هنا إذا لم يكن أحيا الأسفل قبل الأعلى، فلو أحياه للأسفل ثم أراد غيره يحيي لينفرد بالماء وذلك يفسد عليه، منع نفيا للضرر، قال صاحب البيان‏:‏ قاله ابن القاسم‏.‏ وجوزه أصبغ - وإن لم يكن في الماء فضل؛ لعموم قوله عليه السلام يمسك الأعلى حتى يبلغ الكعبين، وفي الجواهر قال سحنون‏:‏ ويقدم أقدم الموضعين لتقدم استحقاقه، فإن كانا متقابلين، قال سحنون‏:‏ يقسم الماء بينهما لتساويهما في الاستحقاق، فإن قابل الأسفل بعض الأعلى حكم للمقابل بحكم الأعلى وللآخر بحكمه‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ مجراه أرض مملوكة فهو لمالكها ويمنعه إن شاء فإن تعدد المالك كجماعة حفروا نهرا يحملونه إلى أرضهم أو في أرضهم، قسموه على قدر أملاكهم بالقلد وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ ولا يقدم أحد على أحد، وصفة القلد تخرق قدرا في أسفلها وتملأ بالماء وتكون قدر أقلهم نصيبا مقدارا، يجري ماؤه على ذلك الخرق فينتفع بالماء كله إلى أن يفنى ماء القدر ويملأ لهم بقدر حصصهم، أو تثقب خشبة ثقبا يجري منها الماء يأخذ كل واحد بقسطه ويعمل في ذلك من الطرق ما جرت به العوائد، والقصد حصول العدل‏.‏ والقسم الثالث متردد بين العموم والخصوص وهو بئر الفيافي والبوادي للماشية، لا يباع ولا يورث بل حافرها أحق بمائها هو وورثته، قال عبد الملك‏:‏ ولا حظ فيها للزوج ولا للزوجة؛ لأنها إنما يقصد بحفرها في العادة الخلف اللازم والزوجية عارض غير محقق، وما فضل لا يمنع؛ لأن العادة الصدقة بالفاضل حملا للحفر على الغالب، فإن أشهد أنه يريد التمليك، قال القاضي أبو الوليد‏:‏ لم أر فيه نصا، والظاهر أنه ملكه كما أحيا في القرب أو البعد‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا تشاح أهل البئر في التبدئة، قال عبد الملك‏:‏ إن كانت عادة حملوا عليها وإلا استهموا، قال‏:‏ وذلك عندي إذا استوى قعددهم من حافرها وإلا فالأقرب إليه أحق، ولا حق فيها للزوجين إذا لم يكونا من ذلك البطن‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ والماجل والجب كالبئر عند مالك في عدم منع الناس من فضله، وقال

المغيرة له في الجب العظيم نفقته وليس ماؤه يخلف كالبئر‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ يبدأ أهل الماء حتى يرووا، ثم المارة حتى يرووا، ثم دواب أهل الماء حتى تروى، ثم دواب المارة حتى تروى، ثم مواشي أهل الماء حتى تروى، ثم الفضل لمواشي الناس‏.‏ وبدأ أشهب بدواب المسافرين على دواب أهل الماء لفرط الحاجة تبعثها للسفر، فإن ضاق الماء بدئ من أضربه تبدئة صاحبه أكثر بنفسه ودوابه، فإن استووا في الضرر سوي بينهم عند أشهب، وقدم أهل الماء عند ابن لبابة بأنفسهم ودوابهم نظرا لتقدم الاستحقاق، واستحقاق الماء ضعيف في أصله فيطرح عند الضرر، فإن قل الماء جدا وخيف الهلاك بالتبدئة، بدئ بنفس أهل الماء بقدر ما يذهب الخوف، ثم المسافرون كذلك، ثم دواب أهل الماء كذلك، ثم دواب المسافرين كذلك، وروى ابن وهب أنه عليه السلام

قال‏:‏ لا يقطع طريق ولا يمنع فضل، ولابن السبيل عارية الدلو والرشاء والحوض إن لم يكن له أداة تعينه ويخلى ببينه الركية، وأهدر عمر - رضي الله عنه - جراحات أهل الماء وأغرمهم جراحات ابن السبيل حين اقتتلوا عليه، وقال‏:‏ أبناء السبيل أولى بالماء من أبناء الساقي حتى يرووا‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ هل لأصحاب الأخشاب التي تجري في الأنهار جرها وإن أخرقت سداد السمك قولان‏.‏

فرع‏:‏ في البيان قال ابن القاسم‏:‏ إذا جرى فضل مائك في أرض آخر فغرس آخر

عليه ليس لك منع الفضل بعد ذلك ولا يبعه لتعلق حقه بالغرس، إلا أن يحفر بئرا لنفسه، ويجري فيه الخلاف هل السكوت إذن أم لا‏؟‏ وإن كنت لم تعلم فلك بيعه له إن كان له بغير إلا على قول من منع بيع الماء مطلقا، فإن لم يكن له ثمن قضي له به بغير ثمن‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر قال أشهب‏:‏ يمنع من بيع الحطب النابت في ملكه، وقال ‏(‏ح‏)‏ لقوله عليه السلام

الناس شركاء في ثلاث‏:‏ الماء والنار والكلاء وقياسا على

الماء الذي يجريه الله تعالى على ظهر الأرض، وقياسا على ما يفرخ في أرضه من الطير ألا يجره فيحمله فيبيعه، وقال مطرف‏:‏ يبيع ما في مروجه وحماه مما يملك من الأرض، وما سواه لا يجوز بيعه، وقاله ‏(‏ش‏)‏ قياسا على صوف غنمه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ الذي يمنعه ويبيعه من الخصب وإن لم يحتج إليه ما في حماه ومروجه، وأما ما في أوديته وفحوص أرضه فيجبر على إباحته إن استغنى عنه، إلا أن تضربه إباحته في زرع حوله، وإذا أوقف أرضه للكلأ، فله منعه عند ابن القاسم؛ لأنه قد منع نفسه منافعه منها، وإن لم يوقفها فهو أحق به، ولا يمنعه ولا يبيعه، قاله‏:‏ ابن القاسم وأشهب، وقال عبد الملك‏:‏ الكل سواء وله المنع‏.‏ قال صاحب البيان‏:‏ الأرض المملوكة أربعة أقسام‏:‏ محظرة بحوائط فله المنع والبيع احتاج إليه أم لا اتفاقا، ومروج القرية وعفاؤها لا تمنع ولا تباع اتفاقا إلا أن يؤذيه دخول الناس إليه، وأرض ترك زراعتها ليرعاها قيل‏:‏ يمنعه إن احتاج إليه ويبيعه إن لم يحتج

إليه، وقيل‏:‏ يجبر على تخليته للناس، وقال أشهب‏:‏ له المنع إن احتاج إليه دون البيع وفحوص أرضه التي لم يبورها، له المنع عند ابن القاسم وأشهب إن احتاج إليه، ويبيعه إن لم يحتج إليه، وعن أشهب لا يبيع‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا قدم اثنان إلى الكلأ المباح فهما سواء، فإن سبق أحدهما فنزله وجعل يرعى ما حوله أو حفر فيه بئرا، قال ابن القاسم‏:‏ هو أسوة للناس؛ لعدم الحوز، وقال أشهب‏:‏ هو أحق بمقدار حاجته لسبقه إن انتجع إليه وقصده من بعد، وقال المغيرة‏:‏ إن حفر بئرا فهو أحق وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا عجز المسافر عن القتال حتى مات، فعلى صاحب البئر ديته وعليه الكفارة عن كل نفس والأدب لقوله عليه السلام

في الموطأ لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ‏.‏ قال ابن

يونس‏:‏ لم ير ابن القاسم أخذ الماء بغير ثمن، بخلاف الذي انهارت بئره مع أن النفس أعظم، قال‏:‏ والأولى في الموضعين الثمن جمعا بين المصالح، وقاله‏:‏ أشهب في المنهار والبئر، قال بعض القرويين‏:‏ إنما كانت الدية على عواقل أرباب الماء؛ لأنهم تأولوا أن لهم منع مائهم؛ لأنه أمر يخفى على الناس، فلم يتحقق العدوان وإلا أمكن أن يقتلوهم‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ إذا حرث جارك على غير ماء فلك منعه فضل ماء بئرك إلا بثمن

إن شئت؛ لأنه مغرر بخلاف الحارث على البئر فتهور له فضل مائك، فإن لم يكن فضل فلا شيء له، واختلف في قوله عليه السلام لا يمنع فضل الماء‏.‏ قيل‏:‏ هو إذا انهارت بئر جارك كما تقدم، وقيل‏:‏ البئر بين الشريكين يسقي هذا يوما فيسقي أحدهما في بعض يومه نخله، فإنه يعطي البقية لشريكه ولا يمنعه ما لا ينتفع به، وليس للذي انهارت بئره تأخير الإصلاح اتكالا عليك، فإن فعل لم يلزمك دفعه، وإن كان نخله لا يملك ثمرة لا يلزمك أيضا، فيكون لوجوب الدفع أربعة شروط‏:‏ أن يبني على بئر، وأن يخشى الهلاك على تقدير عدم الدفع، وأن يفضل عنك، وأن يشرع في عمارة بئره، وحكى البوني في شرح الموطأ عن مالك قولين في وجوب الثمن للماء على الذي انهارت بئره كالمضطر للطعام‏.‏

فرع‏:‏ قال الآبار ثلاث‏:‏ بئر ماشية وشفة وزرع، وصاحب الجميع أحق بحاجته، ثم إن جعل الفضل صدقة جعلت في تلك الجهة، وإلا كان في منعه المحتاج قولان - نظرا لمالك العادة، أو لأن الأصل عدم التبرع، فإن جعله للصدقة فاحتاج إليه رجل لزرعه وآخر لماشيته، بدئ باحوجهما فإن استويا اقتسما، وإن جعل الفضل لأهل الماشية، بدئ بها فإن فضل شيء أخذه أهل الزرع، وقال عبد الملك في بئر الماشية‏:‏ إن تساووا فالقرعة، قال‏:‏ وأرى أن يقسم بينهم، وكذلك في الزرع ويدفع كل نصف ضرورته، فإن كان لأحدهما مائة شاة ولآخر مائتان اقتسماه نصفين؛ لأن الماء لو سلم لصاحب المائتين هلكت مائة فالمائة

هالكة بكل حال وكذلك الزرع؛ لأن نصف الزرع للكثير هالك جزؤها وإن كان يكفي زرع أحدهما ونصف الآخر اقتسماه أثلاثا، وإذا لم يكن فضل الماء على وجه الصدقة وشأنهم بيع المياه فلربه منعه وبيعه، إلا إن انهارت البئر فيقضى لربها بالثمن، فإن لم تكن العادة البيع ففي منعه لمالك قولان وعدم المنع في الفضل أحسن تكثيرا للمعروف، إلا أن يخشى من طول المدة ادعاء الملكية، ويقدم المسافرون على الماشية إن كانوا على ظهر؛ لأن الماء يخلف بعد ذلك، فإن كانوا نازلين قدمت الماشية إن أضربها تبدئة المسافرين لقدرة الآدمي على التحيل بخلافها، وإن كان لا فضل فيه منع المسافرون منه وإن أضر شربهم بالزرع منعوا؛ لأن الأصل استحقاق البئر للماشية والزرع، وإنما لغيرهما الفضل، فإن خيف على المسافرين من ردهم إلى غيره لم يمنعوا إن فضل عن شرب أهل الموضع، وإنما يجتاجونه للماشية أو الزرع ونفاسة الآدمي عند تعين الهلاك، فإن نقصت الماشية أو الزرع ضمنوا النقص كضمان المضطر للطعام، وإن كان فيه فضل وصرف المسافرون إلى غيره هلكوا، لهم أخذه بالثمن إن كان شأنها البيع وإن كرهوا وإن لم يكن معهم ثمن وهم فقراء، اختلف هل يتبعوا إذا أيسروا قياسا على من وجبت مواساته لفقره، وإن كانوا مياسير في بلادهم اتبعوا، فإن امتنعوا من دفعه أجاز ابن القاسم قتالهم لمنعهم الواجب، وكرهه أشهب؛ لأن أحد العملين لازم فلا يشرع القتال كالصيال‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب الناس أولى بفضل بئر الماشية وصاحب بئر الزرع أولى بفضله،

لأن القصد فيه للتمليك آكد‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يجوز شراء شرب يوم أو يومين من عين أو بئر دون الأصل، وشراء أصل شرب يوما أو يومين من النهر؛ لأنه معلوم عادة ولا شفعة في ذلك إذا كانت الأرض قد قسمت، فإن لم تقسم وباع أحدهما نصيبه من الماء دون الأرض أو من الأرض دون الماء، فلا شفعة، وإنما الشفعة في الماء إذا لم تقسم الأرض تبعا لها؛ لأنه قد يجري مجرى المكيل والموزون لا شفعة فيه‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب النكت‏:‏ يروى نقع بئر ورهو بئر وهو الماء الواقف الذي لا يسقى عليه أو يسقى وفيه فضل، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏واترك البحر رهوا‏)‏‏.‏ والماشية إذ لم تشرب الماء لا تأكل الكلأ، فصار منع الماء منع الكلأ، قال صاحب التنبيهات‏:‏ نقع البئر بالقاف الساكنة بعد النون المفتوحة هو المعروف، وروي بالفاء وهو تصحيف، وهو كل ما استقر فيها، وقيل‏:‏ أصل مائها، وقيل‏:‏ الجار تنهار بئره ولا يمنعه فضله لإحياء زرعه، وقيل‏:‏ البئر بين الشريكين يبقى من نصيبه شيء ليس له منعه من شريكه، وقيل‏:‏ الموضع الذي يلقى فيه ما يكنس من البئر، وقيل‏:‏ مخرج سيل الماء، والثلاثة الأول أصح؛ لقوله في الحديث الآخر لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ، وحمل بعض العلماء هذه الأحاديث على منع بيع الماء على العموم ونحوه في العتيبة، والكلأ مقصور مهموز مفتوح الكاف‏:‏ العشب وما تنبته الأرض مما تأكله المواشي‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لك أرض بين أرضه، لك منع جري الماء في أرضك من أرضه لأرضه، وكذلك لو كان له مجرى ماء في أرضك فأراد تحويله إلى موضع أقرب؛ لأنك مالك لمنافع أرضك فلا يتصرف فيها إلا برضاك‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ وعن مالك له أن يجري في أرضك؛ لأنه مروي عن عمر - رضي الله عنه -، وعلى هذا يجوز له التحويل لمكان أقرب، قال اللخمي‏:‏ إذا أراد تحويله لموضع لا يضر أو أردت ذلك فعن مالك روايتان في المنع، وعنه جواز التحويل دون إنشاء المجرى حذرا من التحويل، وعن أشهب إن أحييت بعده بين بئره وأرضه له إجراء الماء في أرضك؛ لأنك منعته حقه وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا يمنع من الصيد في البئر التي في أرضك من مكارم الأخلاق، ولا تبيع سمكة سنة؛ لأنه يقل ويكثر، ولك بيع الخصب من أرضك ممن يرعاه عامة ذلك بعد نباته، ولا تبيعه عامين للغرر‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ لك منع الصيد؛ لأنه في ملكك وحوزك، وقال أشهب‏:‏ إن طرحتها فولدت فلك منعها؛ لأنها من مالك وإلا فلا، قال التونسي‏:‏ لو وقف غديرا في أرضه للحرث فهو أحق به؛ لأنه منع نفسه منافعه، وسحنون يجوز بيع حيتان الغدر مطلقا ولا يراعى أرضه؛ لأنها في حوزه وملكه، قال عبد الملك

في مصائد الحيتان فيما هو في أرضهم، وإلا فلا، ولو عملوا مصائد من خشب ليس لهم الحجر على الناس، لكن يبدءون ثم الناس بعدهم، قال صاحب البيان‏:‏ ليس لأحد الجماعة على النهر إن ينصب ما يمنع الحيتان عن غيره، وليس هذا مما يستحق بالتقدم؛ لأنه متكرر، فإن كان النصب إذا قلع ليس له قيمة خيروا بين أمره بالقلع والشركة فيه، وإلا خيروا بين إعطائه قيمته مقلوعا أو الشركة فيه‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا كان في القرية غامر فأرادوا خرقه وينتفعون به، قال ابن القاسم‏:‏ يقسمونه على قدر سهامهم إن ادعوه لأصل القرية لتتبع الأجزاء كما تبعت الجملة الجملة، وعلى عدد الرءوس إن ادعاه كل واحد لنفسه بعد أيمانهم، كسلعة ادعاه اثتان وكساحة الدار ذات البيوت، هذا إذا كان داخل القرية، ولا يجوز للإمام إقطاعه لتعلق حقهم به، قال أصبغ‏:‏ هذا إذا اجتمع جلهم، أو من عليه عماد أمرهم، والمشهور كفاية طلب بعضهم، كالعرصة المشتركة، وإن كان خارج القرية، فعن مالك وابن القاسم هو كالذي داخلها، وقال أشهب‏:‏ لا يقسم وإن اتفقوا لما فيه من الرفق لعامة المسلمين بالاحتطاب والرعي، إلا أن يثبت أنه من خير قربتهم، فيقسم على ما تقدم، فإن كان بين قريتين شرقية وغربية أو شمالية وجنوبية، جرى على الخلاف في جواز قسمته، غير أنه لا يقسم بالسهم بل يعدل بالقيمة ويجعل نصيب كل قرية مما يليها نفيا للضرر، وبدخول بعضهم على بعض، قال ابن حبيب الشعارى‏:‏ المتوسطة بين

القرى لا تجري مجرى الموات، يقطعها الإمام لتعلق حقوقهم بها إنما الموات العفاء وما لا يتناوله مواشيه، وجوز الفضل إقطاع ما قرب من القرى، فإن كان الغامر حذاء القريتين ليس بينهما، فعلى الخلاف في جواز القسمة، وإذا قلنا بها فلا يقسم بالسهم بل يعدل لكل قرية ما هو جارها ولا خلاف أن الفحص العظيم يرعى فيه الناس ويحتطبون لا يقسمه أهل المنازل المحيطة به ولا أن يرتدوا إلى غامرهم منه فيملكوه؛ لضرر ذلك بالناس، وإنما الخلاف فيما شأنه أن يكون من حيز المنازل‏.‏ وفي النوادر قرية فيها ذميون ومسلمون ولها بور، قال ابن كنانة‏:‏ إن كانت عنوة فالبور للمسلمين؛ لأن أهل الذمة لا حق لهم في العنوة‏.‏ قال سحنون‏:‏ هذا في بور ملكه أهل العنوة وحموه، قال ابن كنانة‏:‏ فإن كانوا صلحاء فالبور لأهل الذمة، إلا أن يحوزه المسلمون عنهم الزمان الطويل؛ لأن عقدة الصلح يتناول الأرض وحريمها، فإن قال أهل الذمة‏:‏ نحن أحق بالشعراء لأنا على صلح والمسلمون على عنوة قال عبد الملك لأهل الصلح‏:‏ مع الشعراء ما يليهم بقدر ملكهم مع القرية، ولا شيء لهم فيما بعد منها، وما يلي المسلمون فلجماعتهم إذا لم يوقفوه - كما فعل عمر - رضي الله عنه - لمصر والعراق بقدر ملكهم من القرية مما قرب؛ لأنه من حقوق القرى، وما بعد موات والصلح والعنوة إنما يدخلان في المعمور وحريمه، فإن جهلت القرية أصلح أم عنوة وفيها المسلم والذمي والوارث وغيره - وكل يدعى الشعراء لنفسه أو بعضها، قسمت على عددهم من الذكر والأنثى والصغير والكبير ممن بلغ أن يكون له كسب لتساوي دعاويهم، قال ابن القاسم‏:‏ إذا خرج أحد أهل القرية فبنى في أرض خارجها

بأميال وسكن، وبين موضعه وبين القرية شعراء كان هو وأهل القرية يرعون فيها فتشاحوا، فالشعراء للقرية، ولا أقسم له منها شيئا؛ لأنها من حريم القرية وقد أعرض عن القرية فبطل حقه من حريمها‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ خربة بين القرى لم تعمر منذ دخل العرب ولها بياض نحو ثلاثين إردبا وبئر، فعمرها صاحبها أو ابتاعها منه وطال انتفاعهم جميعا بشعراء بين الخربة والقرى نحو ثلاثين سنة ثم تشاحوا، فلا حق لصاحب الخربة في الشعراء، ولو كانت مسكونة منذ دخل العرب فلها حق في الشعراء؛ لأن العمارة هي التي توجب استحقاق الغريم، وما عمر رب الخربة في الشعراء وهو يرى أنه له حق، فله من أهل القرى قيمة عمارته إن كانت لم تعمر منذ دخل العرب، وقال ابن نافع‏:‏ الخربة وغيرها سواء في الشعراء؛ لأنه لا يوجب في الشعراء حقا بجوار، وكذلك الكنائس العامرة، والمحارس والصيد لا حق لها في الشعراء، ولكن تترك للخرائب وبجميع ذلك من الشعراء طرقها وأفنيتها ومداخلها ومخارجها، إلا أن تقوم بينة أن لها من الشعراء شيئا؛ لأن هذه المواضع لم توضع للسكنى بخلاف القرى، فلو عمر أهل الخرائب خرائبهم حتى صارت قرى قبل قسمة الشعراء، فلهم مقاسمة القرى فيها، كما لو أقطع الإمام في حواشي الشعراء مواتا، فعمر قرية فله نصيبه من الشعراء إذا جاورها إلا أن يكون فيها النفر اليسير فلا يقسم لهم إلا الاستطراق قاله‏:‏ ابن القاسم

وسواها ابن نافع بالقرى في القسمة‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ ذمي له قرية وخربة باعهما من رجلين فتنازعا الشعراء التي بينهما يعطي للخربة حقها؛ لأن مسلكه انتقل إليها على صورته في الحقوق، بخلاف الخربة التي لا يعرف لها في الإسلام عمارة، ولو قامت بينة أن هذه الخربة انجلى عنها أهلها كان لها حق‏.‏

فرع‏:‏ قال قال عبد الملك اشترى خربة واشترط غامرها فبناه وقطع شجره فظن أهل القرية أنه استحق ذلك بالإحياء ثم تبين أنه حق لهم فللمشتري التمسك بالخربة بقسطها من الثمن ويرجع بالفاضل وله رد الجميع لدخول العيب عليه وله أخذ عمارته فيما قطع منها فإن بنى أو غرس فيها فله قيمة ذلك

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ قرية لها شعراء وأحاطت أرض بعضهم ببعض الشعراء فصار في وسط الأرض، هو أحق بما أحاط به في أرضه من نواحيها كلها لئلا يتطرق على ملكه الطرق، فإن كان يدخل إليها من غير أرضه فلا؛ لعدم الضرر والمروج والأحمية والأدوية في القري كالشعراء إذا أحاطت أرضه بذلك مع كل جانب‏.‏

فائدة‏:‏ الغامر بالغين المعجمة ضد العامر بالعين المهملة كالصالح والطالح‏.‏

فرع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ إذا عمر في غامر القرية غير أهلها بحضورهم فهو كمن

حاز مال غيره وهو حاضر غير أن مدة الحيازة هاهنا أطول مما يعتذ ربه من افتراق سهامهم وقلة حق كل واحد منهم، ودون مدة الحيازة على الأقارب والأصهار، وهذا إن ادعى شراء ذلك منهم أو هبة، وإلا فليس ذلك له على أصل ابن القاسم إن عامر القرية لأهل القرية، وعلى قول ابن وهب وغيره في أنه لا يكون لهم ولا بقسمه إلا أن يثبت أنه لهم فما عمره له، وإذا أخرجوه هل له قيمة بنائه منقوضا أو قائما وهو الأنظر إن قاموا بحدثان العمارة‏.‏